سوق نيوز
شهدت الأسواق العالمية في السنوات الأخيرة انتشارًا واسعًا لمشروبات الطاقة، ولم تكن دول الخليج العربي استثناءً من هذا التوسع اللافت. فقد أصبحت هذه المشروبات جزءًا من نمط حياة الكثير من الشباب والطلاب والعاملين، الذين يقبلون عليها بدافع زيادة النشاط الذهني والبدني، ومقاومة الإرهاق، ومجاراة أسلوب الحياة السريع. غير أن هذا الانتشار لم يخلُ من تحذيرات طبية متزايدة حول الآثار الصحية الخطيرة التي قد تترتب على الإفراط في تناولها، خاصة لدى الفئات العمرية الصغيرة.
تحتوي مشروبات الطاقة على مزيج من المواد المنبهة أبرزها الكافيين والتاورين والغوارانا، إلى جانب كميات كبيرة من السكريات أو المحليات الصناعية، وفيتامينات مركّزة ومركبات محفزة للجهاز العصبي. ورغم أن بعض المستهلكين ينظرون إليها على أنها بديل أسرع للقهوة أو وسيلة لتحسين التركيز، إلا أن تركيبتها القوية تجعل تأثيرها يفوق بكثير مفعول المشروبات التقليدية، خصوصًا عندما تُستهلك بكميات متقاربة أو متكررة على مدار اليوم.
وقد أثبتت الأدلة الطبية أن الارتفاع الحاد في مستويات الكافيين الناتجة عن الإفراط في تناول هذه المشروبات يؤدي إلى اضطرابات في القلب والأوعية الدموية، مثل ارتفاع ضغط الدم وزيادة ضربات القلب وعدم انتظامها، وهي حالات تم رصدها في أقسام الطوارئ، خاصة بين المراهقين والشباب. كما لوحظ أن بعض الحالات تطورت إلى أعراض أخطر شملت الدوخة الشديدة وفقدان الوعي والتشنجات ونوبات القلق المفاجئة. ويؤكد أطباء الطوارئ أن كثيرًا من الحالات المرتبطة بمشروبات الطاقة تظهر بين أشخاص لم يكونوا يعانون سابقًا من أمراض القلب، وهو ما يضاعف خطورة تأثيرها.
ولا تقتصر الآثار على القلب فحسب، إذ إن التأثيرات النفسية والعصبية تشكل جانبًا مهمًا من المخاطر. فالكميات العالية من الكافيين ترفع مستويات التوتر وتسبب الأرق المزمن، وتؤدي إلى قلة التركيز، وإجهاد ذهني قد يظهر في شكل نوبات هلع أو قلق مبالغ فيه. كما تشير تقارير طبية إلى أن الاعتماد اليومي على مشروبات الطاقة قد يسبب صداعًا مستمرًا، وأن التوقف المفاجئ بعد فترة من الإدمان عليها يؤدي إلى أعراض انسحاب مزعجة مثل التعب الشديد والتهيج وانخفاض المزاج.
ومن جهة أخرى، تشكل مشروبات الطاقة عبئًا على الجهاز الهضمي بسبب محتواها العالي من السكريات أو المحليات الصناعية، والتي ترتبط باضطرابات في الهضم وزيادة احتمالية ارتفاع مستوى السكر في الدم. كما أن الجمع بين مشروبات الطاقة والكحول، وهو سلوك انتشر عالميًا بين بعض الشباب، يُعد من أخطر الممارسات، لأنه يخفي شعور الشخص بالسكر ويزيد من احتمالات اتخاذ قرارات متهورة أو التعرض لحوادث خطيرة.
وفي سياق دول الخليج، يكشف المشهد الاستهلاكي عن انتشار واسع لهذه المشروبات، حيث تُعد المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات من أكثر الأسواق استهلاكًا لها في المنطقة. ويسهم ارتفاع القدرة الشرائية للشباب، وانتشار المحال التجارية على مدار الساعة، وكثرة الأنشطة الرياضية والترفيهية، في زيادة الطلب عليها. كما أن الحملات الإعلانية الموجهة للشباب تسهم في ترسيخ صورة مشروبات الطاقة كرمز للقوة والإنجاز السريع، الأمر الذي يدفع المزيد من المراهقين والطلاب إلى تجربتها دون إدراك للعواقب الصحية.
وقد رصدت بعض المدارس والجامعات في المنطقة سلوكًا لافتًا بين الطلاب يتمثل في الاعتماد المنتظم على مشروبات الطاقة قبل الامتحانات أو أثناء اليوم الدراسي، مما أدى إلى ظهور شكاوى متكررة من الأرق والصداع وضعف التركيز. وتؤكد الهيئات الصحية الخليجية أن هذه الفئات هي الأكثر عرضة للآثار السلبية، نظرًا لعدم اكتمال نمو الجهاز العصبي لديهم وحساسيتهم العالية للكافيين.
ورغم الخطورة، فإن الجهود التنظيمية في دول الخليج بدأت تتوسع في السنوات الأخيرة. فقد فرضت بعض الدول، وفي مقدمتها السعودية، اشتراطات واضحة على عبوات مشروبات الطاقة، تتضمن تحذيرات صحية بارزة وقيودًا على محتوى الكافيين والمواد المضافة. كما منعت المدارس والمؤسسات التعليمية بيعها للطلاب، وجرى تقييد الإعلانات الموجهة إلى القُصّر. ومع ذلك، ما تزال الحاجة قائمة لخطوات أوسع، تشمل رقابة أشد على التسويق، وجمع بيانات دقيقة حول الاستهلاك الفعلي، وتحديد نسب الحالات الصحية المرتبطة بها.
ويجمع الأطباء على أن الوعي الجماهيري هو خط الدفاع الأول للحد من مخاطر هذه المنتجات. فالمستهلكون غالبًا لا يدركون حجم الكافيين الحقيقي الموجود في عبوات مشروبات الطاقة، ولا يعلمون أن بعض الأنواع قد تحتوي على ما يعادل ثلاثة أو أربعة أكواب من القهوة دفعة واحدة. كما لا يلتفت الكثيرون إلى تأثير التفاعل بين هذه المشروبات والأدوية أو الظروف الصحية المختلفة.
وفي ظل هذا المشهد، تبدو الحاجة ملحّة إلى تعزيز حملات التوعية الصحية، وتكثيف الجهود الإعلامية التي تسلط الضوء على قصص واقعية لأشخاص تعرضوا لمضاعفات بسبب الإفراط في مشروبات الطاقة، إلى جانب تشجيع الفئات الشابة على تبني بدائل صحية توفر الطاقة والنشاط بطريقة آمنة، مثل التغذية السليمة والنوم الكافي وممارسة الرياضة.
وفي الختام، يظل الانتشار الكبير لمشروبات الطاقة تحديًا صحيًا مستمرًا في دول الخليج، يتطلب تعاونًا بين الأسر والمدارس والجهات الصحية والقطاع الخاص، من أجل بناء وعي واقعي حول آثارها، والحد من الأضرار المحتملة التي قد تؤثر على جيل كامل من الشباب. وإذا كان لهذه المشروبات دور مؤقت في رفع اليقظة، فإن ثمنها الصحي قد يكون أعلى بكثير مما يتوقع المستهلك العادي، وهو ما يستوجب التعامل معها بقدر أكبر من الحذر والمسؤولية









































