عندما كنت في محاضرات ماجستير إدارة الأعمال وفي مادة الموارد البشرية، قسم أستاذ المادة أبواب كتاب الموارد البشرية لعدد من الأقسام وقام بتوزيع جميع الدارسين في القاعة على شكل مجموعات من 3 أو 4 دارسين، لتتكفل كل مجموعة بإعداد وتقديم وشرح عرض تقديمي لكل باب.
كان من نصيب مجموعتنا عرض تقديمي لجزئية أو باب الاختلافات بين الإدارة والقيادة، وبالتالي التفرقة بين واجبات المدير والقائد في المؤسسات المختلفة، وما هو دور أي منهما في المؤسسة. كان من المفترض تقديم عرضنا في اليوم الثالث، فبدأنا بحضور عروض الزملاء الآخرين، وكانت عروضهم جميلة وبسيطة ومعبرة، ولكن شابها التشابه في التقديم والشرح، وكانت بمثابة عرض يحتوي على نقاط وسرد لمحتويات الكتاب والإجابة على أسئلة للحضور.
قبل يومين من موعدنا، تقدمت باقتراح للمجموعة وهو ألا نجاريهم في التقديم والشرح، وأن نبتكر عرض حديث وجاذب يوصل الفكرة بكل وضوح لزملائنا الباقين، والأكيد لأستاذ المادة لإعطائنا الدرجات الكاملة. بعد تحديد الهدف، اقترحت عليهم أن نقوم بمسرحية بسيطة، حيث أمثل أنا وزميلتي في البداية دور المدير وأعدد مهامه من واقع العمل وواقع الكتاب، ومن ثم التطرق لدور القائد، فالكتاب أثرى دور القائد وأعطاه درجة عالية من الفهم والكاريزما للتأثير على العمل وبقية فرق العمل.
اقتنع زملائي بالفكرة مع تخوفهم من ألا ننجح ويتم خصم الدرجات. وقد جاء يوم العرض، وقدمنا أستاذ المادة، وكل من في القاعة ينتظر أن نشغل جهاز البروجكتر وتشغيل العرض التقديمي. في هذه اللحظة دخلت من الباب على هيئة مدير يلبس ربطة عنق وشكله حازم وصارم في نفس الوقت، وملامح وجهه متغيرة. دخلت وجلست كأنما المكتب وناديت على السكرتيرة: “أين كوب قهوتي؟ وأين الورق الذي كلفتك بإنجازه؟ وأين التقرير الذي من المفترض أن تعديه على برنامج إكسل؟” برعت زميلتي في الرد على الأسئلة التي كنا سلفًا قد تدربنا عليها، فقالت: “القهوة جاهزة والتقرير جاهز، ولكنني لم أتمكن من إعداد تقرير على برنامج إكسل لأنني لا أعرف التعامل معه بشكل جيد.” حينها انفعلت غضبًا ووبخت السكرتيرة بأعنف الكلمات الإدارية الجارحة وقلت لها: “أنتِ لا تستطيعين المواصلة معنا بهذا الأسلوب وسوف تتم محاسبتك.”
انتهى دور المدير وجاء دور القائد. خرجت من القاعة ورجعت مرة أخرى مرتديًا زي جاكيت وربطة عنق، وجلست كأنما أجلس في مكتبي وجاءت السكرتيرة ورحبت بها وسألتها عن بداية يومها وكيف كانت رحلتها يوم أمس من المكتب للمنزل مع اختناق الحركة المرورية الذي كان كثيفًا بالأمس على طرق المدينة. وقد سألتها عن التقرير الذي من المفترض أن تعده على برنامج إكسل، فردت بأنها لم تعده لأنها لا تعرف برنامج إكسل بصورة جيدة. انتظر الجميع في القاعة رد القائد بفارق الصبر وماذا سيرد على السكرتيرة، فقلت لها: “ليس هناك مشكلة من ذلك، فالتقرير يمكن إعداده من أي زميل يعرف البرنامج بصورة جيدة.” ووجهت في الأثناء بأن يتم التحاقها بصفة عاجلة بدورة تدريبية مكثفة على برنامج إكسل.
انتهى العرض ونتفاجأ وزملائي بالتصفيق العالي من كل القاعة وفي مقدمتهم أستاذ المادة، والذي يبدو عليه كأنه شاهد موقف حقيقي يعبر عن الفرق بين المدير والقائد في بيئة العمل.
الخلاصة: كثر الحديث في الكتب والندوات والدورات التدريبية عن الفروقات بين القائد والمدير، وأن المؤسسات يجب أن تدرب الموظفين لديها ليكونوا قادة وليس مدراء حسب وصف الكتب والتعامل الصارم في التنفيذ والمعاملة الصعبة مع بقية الزملاء. وكيف للقائد أن يكون مثاليًا وصاحب كاريزما في التعامل مع الزملاء باعتبارهم عملاء داخليين، والزبائن والمشترين المحتملين باعتبارهم عملاء خارجيين. المؤسسات على اختلاف طبيعتها ونشاطها تحتاج لعقلية المدير في الالتزام والتسليم والسير وفق اللوائح والخطط الموضوعة بطريقة صارمة، وفي نفس الوقت تحتاج لقادة يضعون الاستراتيجيات والخطط والتعامل مع التغيير وإلهام الزملاء وبث روح الشغف بينهم للوصول للأهداف بكل رضا وسعادة من الجميع.
نصيحتي للمؤسسات أن تعمل على دمج الشخصيتين في شخصية واحدة. فأنت كصاحب عمل أو رئيس تنفيذي أو رئيس قسم يندرج معك شخصين فأكثر في قسم واحد، احرص على خلط دور المدير والقائد معًا. فكن أنت صاحب الكاريزما وإضفاء أجواء العمل الجماعي والاهتمام بفريقك ومشاركته أفراحه وأحزانه خارج وداخل العمل، وشاركهم في عملهم لا أن تقف متفرجًا في دور الموجه فقط. وفي نفس اللحظة حاول أن تجعلهم ملتزمين بأي خطة في الوقت المناسب، وشدد على الذي يرتكب الأخطاء بصفة دورية وقم بتوجيه سفينته وقل له أنك تهدم ما سعينا لبنائه.








































