تقارير -سوق نيوز
أثار إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب عن وقف الهجرة من «دول العالم الثالث» جدلاً واسعاً داخل الولايات المتحدة وخارجها، نظراً لحِدّة القرار وتأثيراته المتوقعة على الاقتصاد الأميركي، والسوق المحلية، والعلاقات الدولية. ورغم أنّ الإعلان جاء بصيغة عامة دون تحديد الدول أو آليات التنفيذ، إلا أنّ مفاعيله المحتملة واسعة، وتمسّ جوهر ديناميكية الاقتصاد الأميركي المعتمد تاريخياً على الهجرة كمحرّك للنمو والابتكار.
يستعرض هذا التقرير أبرز الانعكاسات الاقتصادية والسياسية للقرار، مع قراءة مستقبلية للسيناريوهات المحتملة على المدى القصير والمتوسط والطويلتعتمد الولايات المتحدة بشكل مباشر على تدفّق العمالة المهاجرة لرفد سوق العمل وزيادة الإنتاجية. وقف الهجرة من دول العالم الثالث يعني خفضاً واضحاً في نمو قوة العمل خلال السنوات القادمة، ما ينعكس مباشرة على معدلات النمو. فمع تقلّص المعروض من العمالة، يُتوقع أن يتراجع الناتج المحلي الإجمالي تدريجياً، خاصة مع تقديرات اقتصادية سابقة تشير إلى أن سياسات الحدّ من الهجرة تُقلص نمو الناتج في قطاعات الزراعة والبناء والخدمات والصناعة الخفيفة
من المتوقع أن تتأثر قطاعات تعتمد بكثافة على العمالة الأجنبية منخفضة ومتوسطة المهارة، وفي مقدمتها
الزراعه الصناعه البناء الضيافة الرعاية الصحية المنزليه غياب العمالة المهاجرة سيخلق فجوة يصعب تعويضها محلياً في وقت قصير، وهو ما سيؤدي إلى ارتفاع أجور العمال وارتفاع تكاليف التشغيل وبالتالي زيادة الأسعار وضغوط تضخمية على الاقتصاد الأميركي. هذا النقص سينعكس أيضاً على الشركات وسلاسل التوريد، إذ سترتفع تكاليف الإنتاج وتنخفض القدرة على التوسع، مع تباطؤ ملحوظ في إنجاز المشروعات خصوصاً في قطاعات البنية التحتية والعقارات، وربما تلجأ بعض الشركات إلى نقل عملياتها للخارج لضمان استقرار إمداداتها. كما سيضعف القرار منظومة الابتكار وريادة الأعمال في الولايات المتحدة، إذ يشكل المهاجرون جزءاً أساسياً من الشركات الناشئة والتطورات التقنية في مجالات الذكاء الاصطناعي والبحث العلمي، ما يقلل من تدفق المواهب ويؤثر على التنافسية الأميركية مستقبلاً. وعلى مستوى المالية العامة، فإن تراجع أعداد المهاجرين سيقلل من الإيرادات الضريبية ويرفع معدلات الشيخوخة، مما يزيد الضغوط على أنظمة الضمان الاجتماعي والرعاية الصحية ويخلق خللاً ديموغرافياً قد يشكل تحدياً خلال العقد القادم.
أما خارجياً، فسيؤدي القرار إلى توترات دبلوماسية واسعة مع الدول المستهدفة ويضعف الشراكات الثنائية والنفوذ الأميركي، في وقت قد تتجه فيه دول كثيرة لتعزيز علاقاتها مع الصين وروسيا. كما يتراجع دور الولايات المتحدة كقوة ناعمة تعتمد على جاذبيتها الثقافية وانفتاحها، إلى جانب احتمال تراجع التعاون الأمني والاستخباراتي وظهور صعوبات في التفاوض حول الملفات الإقليمية. وقد تتأثر أيضاً استقرار الدول النامية التي تعتمد على تحويلات مهاجريها، مما يزيد الهجرة غير الشرعية ويرفع كلفة المساعدات الإنسانية.
وعلى مستوى السيناريوهات المستقبلية، فمن المتوقع على المدى القصير ارتفاع تكاليف العمالة وتصاعد الاحتجاجات والدعاوى القانونية، بينما سيشهد المدى المتوسط ارتفاعاً في الأسعار وانخفاضاً في معدلات التوظيف وتباطؤاً في المشاريع، إضافة إلى انتقادات دولية واسعة. وعلى المدى الطويل قد يتباطأ الاقتصاد الأميركي إجمالاً، وتنخفض تنافسيته وريادته للابتكار، وقد يدفع الضغط الاقتصادي والسياسي في نهاية المطاف إلى مراجعة القرار أو تعديله.
وبشكل عام، يمثل وقف الهجرة من دول العالم الثالث خطوة ذات تأثيرات عميقة تمس النمو الاقتصادي، والاستقرار الاجتماعي، والمكانة الدولية للولايات المتحدة، في ظل غياب رؤية واضحة لآليات التنفيذ أو البدائل المتاحة لتعويض هذا النقص









































